الاثنين، 6 مايو 2013


-صوره الشهيد محمد الدره (12 عام ) الذى استشهد فى حضن ابيه اثر اطلاق النار من القوات الاسرائليه عليه فى 30 سبتمبر سنه 2000 والذى نشرتها كل محطات التلفاز فى العالم وتداولتها جميع وسائل الاعلام مندده بافعال القوات الاسرائليه . الله يرحمه

دراسة أمريكية: 83 في المائة من المغاربة مع تطبيق الشريعة


دراسة أمريكية: 83 في المائة من المغاربة مع تطبيق الشريعة 


أعلى نسب التأييد في أفغانستان بـ99 في المائة وأضعفها في أذريبجان بـ8 في المائة
إدريس الموساوي
هل تؤيدون تطبيق الشريعة الإسلامية في بلدانكم؟ سؤال طرحه خبراء «مركز بيو» الأمريكي المتخصص في دراسات وأبحاث الأديان والشعوب، على المسلمين في مناطق متفرقة من العالم، فكان جواب معظم المستجوبين: نعم. وكان جواب المغاربة في هذا الاستطلاع إيجابا بنسبة 83 في المائة.
وكشف «مركز بيو» في دراسة نشرها يوم الثلاثاء الماضي على موقعه على شبكة الانترنت باللغة الإنجليزية، اطلعت عليها «المساء» عن وجود تأييد قوي في معظم الدول الإسلامية لتوسيع مجال تطبيق الشريعة بدل الاكتفاء بالقوانين العصرية، مع التأكيد على وجود تفاوت في نسبة التأييد من دولة إلى أخرى حسب سياقات وأوضاع كل بلد وخصوصية الظرفية التي عاشها خلال فترة إنجاز الدراسة الممتدة بين عامي 2008 و2012. علما أن الدراسة شملت 32 ألف مسلم موزعين على 39 بلدا من شتى أنحاء العالم، وتم إجراء استطلاعات الرأي بأزيد من 80 لغة ولهجة محلية.
ففي الوقت الذي يجد فيه تطبيق الشريعة تأييدا شبه مطلق بنسبة وصلت إلى 99 في المائة، يضعف التأييد لهذا الأمر إلى نسبة جد متواضعة في دولة أذريبدجان الواقعة في منطقة القوقاز إلى 8 في المائة فقط.
وفي المقابل، اعترف معدو الدراسة باندهاشهم لما توصلت إليه أبحاثهم بشأن توجهات الرأي في هذا المجال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وجاء في الدراسة «غير أن الأغلبية الصلبة المؤيدة لتطبيق الشريعة في الدول الإسلامية تتركز بالأساس في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا».
فقد بين تحليل استطلاعات الرأي المجراة أثناء إعداد الدراسة أن تطبيق الشريعة يحظى بتأييد قوي في عدد من الدول العربية. فاللبنانيون يؤيدون هذا الأمر بنسبة مماثلة للمغاربة، أي 92 في المائة، و93 في المائة في تونس، في حين تنقص إلى 89 في المائة في مصر وفلسطين.
توصلت الدراسة أيضا إلى نتائج مثيرة في منطقة الساحل وإفريقيا جنوب الصحراء. إذ بينت أن 72 في المائة من النيجيريين يؤيدون تطبيق الشريعة في بلادهم.
في المقابل، لم تعتبر الدراسة التأييد الكبير الذي تحظى به الشريعة في الدول الإسلامية الأسيوية مفاجأة. إذ تصل نسبة هذا التأييد إلى 96 في المائة في دولة ماليزيا التي تعتبر من الدول الصاعدة اقتصاديا في آسيا، مقابل 93 في المائة في أندونيسيا و84 في المائة في باكستان.
 وشددت الدراسة في خلاصاتها النهائية على أن تطبيق الشريعة يلقى تأييدا أكبر لدى المسلمين في القضايا أو الأحوال الشخصية، إضافة إلى العقار.
وبخصوص الجدل المحتدم حاليا حول حكم المرتد في الإسلام، أظهرت الدراسة أن 50 في المائة من مسلمي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يؤيدون تطبيق حكم القتل في حق المرتد عن الإسلام وبنسبة مماثلة تطبيق عقوبة الجلد وقطع يد السارق. غير أن الدراسة حاولت التقليل من أهمية هذا المؤشر بالتأكيد على ضعف التأييد لهذه الأحكام لدى مسلمي باقي مناطق العالم.
وتطرقت الدراسة أيضا للعديد من القضايا محط مناقشة في الدول الإسلامية مثل العنف وتعدد الزوجات. وتوصلت إلى أن 81 في المائة من المسلمين الأمريكيين يرون أن العنف باسم الإسلام غير مبرر. أما تعدد الزوجات فيلقى تأييدا بنسبة 92 في المائة في المغرب، و87 في المائة في النيجر، مقابل وجود نسب ضعيفة جدا تعتبره أمرا غير مقبول.
وأوضحت كذلك أن معظم المسلمين لا يشعرون بوجود تناقض بين الالتزام بديانتهم والحياة العصرية، ويفضلون نظاما ديمقراطيا، ويحبون الموسيقى والأفلام الغربية، حتى وإن كانوا يعتقدون أنها غير أخلاقية.

الأحد، 5 مايو 2013

الصناعة التقليدية



الصناعة التقليدية

عرف النشاط الحرفي بجميع أنحاء شمال افريقيا درجة كبيرة من التقدم في عهد الفنيقيين الذين امتزجوا بالأمازيغ الأوائل، وأقاموا حضارة قوية لمدة زمنية طويلة ازدهرت فيها الصناعات المرتبطة أساسا بالعمران كالزليج والنجارة والحدادة والرخاميات والنحاسيات والفضيات وصناعة العجلات الحجرية ثم الخشبية ووسائل الصيد والنقل.



الصناعة التقليدية
وفي العهد القرطاجي تطورنمط عيش المغاربة الأوائل بشكل كبير، فقد  شغلت التجارة معظم النشاط الاقتصادي حيث كان المغاربة يجلبون الرخام والصدف والنحاس والكتان والقطن والمعادن والخشب الممتاز والأحجار الكريمة والعاج والعطور من الجزر الإغريقية ومصر ومن إسبانيا والهند ومن شبه جزيرة العرب،  وكانوا يصدرون المنسوجات  والأواني الزجاجية والمعادن الثمينة. 

 كما عرفت الصناعة التقليدية نشاطا متميزا في العهد الروماني الذي ازدهرت فيه صناعة السواقي والنواعير والمطفيات، وتعددت مصانع صهر الحديد وطرقه، ودبغ الجلود، وصناعة القناديل،  ونسج الملابس، وصنع الأثاث...  وغير ذلك من لوازم الحياة التقليدية وكمالياتها. 

وبعد الفتح الإسلامي عرفت بلاد المغرب حضارة وثقافة جديدة، وظهرت صناعات يدوية متطورة، وتطورت أخرى كصناعة النقود مثلا، حيث ضربت الدراهم الأولى باسم إدريس الثاني (181 للهجرة). ومن الناحية العمرانية نشطت حرف تقليدية مرتبطة بهذا الميدان كالنجارة  والحدادة والنقش على الحجر والجبص، والزليج والزجاج،  وصناعة الرخام. 

وتطورت الحرف والفنون  التقليدية في عهد المرابطين وفي عهد الموحدين، إذ عرف المغرب حركة عمرانية ونهضة حرفية، وبلغ مرحلة من الازدهار الحرفي على عهد بني مرين، تلتها مرحلة اضمحلال وتدهور في عهد  الدولة الوطاسية، غير  أنه بتولي المولى أحمد المنصور الذهبي السعدي الحكم (1576م) عمد إلى تنشيط الناحية التجارية لدى سكان البادية وتشجيعهم على  أعمال البيع والشراء، وإنعاش الصناعات التقليدية القروية  حيث تم إحداث ما سمي بالقرى الصناعية في البادية لأول مرة  في تاريخ المغرب. 

وكان للوافدين من الأندلس  الى المغرب الأفصى تأثير إيجابي على الصناعة التقليدية، إذ استنبطوا  المياه وأحدثوا الأرحية الطاحنة بالماء، وعلموا أهل البادية أشياء لم  يكونوا يعلمونها. 

و تضررت الحرف  التقليدية  بدخول المغرب في عهد الحماية (1912-1956) نتيجة فقدان المجتمع المغربي لذلك التوازن المتواصل قبل هذه المرحلة بين مدنه وبواديه، فقد سهل نظام الحماية تغلغل نمط الإنتاج الرأسمالي ببنياته الصناعية ومؤسساته التجارية وبضائعه المتنوعة، الأمرالذي انعكس سلبا على الحرف بشكل تدريجي جراء المنافسة غير المتكافئة للتجارة الأوروبية. 

الحرف التقليدية 

تشمل الحرف التقليدية كل الأنشطة الحرفية التي يمارسها الحرفيون، ومختلف الصنائع والخدمات المعروفة في الوسط المغربي التقليدي،  ويمكن اعتبارها  أحدى أسس التجارة الداخلية والتبادل بين البوادي والمدن. 

الصناعة التقليدية الفنية والإنتاجية 

 الحرف المتفرعة عن قطاع الجلد 

دباغ الزيواني- دباغ - صانع الشربيل – صانع البلغة – صانع الأحذية – صانع النعالة – إسكافي – صانع المشايات – مقشر الجلود – صانع السطرمية  أو (تاسوفرا) – صانع السروج – طراز الجلد – البزاطمي – صانع الحقائب والمحفظات والشكارة – خياط الملابس الجلدية – تجليد مختلف المنتجات – الهيادري وصانع الفراء – صانع اللبدة – التسفير و التجليد  والتذهيب- تجليد الأرائك والكراسي – صانع الأحزمة – الروابزي – صانع الدمى ومنتجات التزيين . 
  
الحرف المتفرعة عن قطاع الطين والحجر 

صانع الخزف – صانع الفخار – صانع  القرميد – صانع الفسيفساء  - صانع الزليج التقليدي – صانع الزليج العادي – صانع الطوب والبجماط – نقاش الجبص- صباغ الجبص- فراغ الجبص – نقاش الرخام – نقاش  على الحجر – نحات على الأحجار شبه الكريمة – صانع الرحى – صانع الجير التقليدي. 

الحرف المتفرعة عن قطاع النسيج 

غزل الصوف والمواد الأولية المختلفة – نسيج الزرابي – نساج الحايك والخرقات المختلفة – نساج الحنبل- نساج الحنديرة – الدراز – صباغ الصوف والمواد الأخرى – صباغ الخيوط – خياط البدلة – خياط الأفرشة – خياط الجلباب – خياط القفطان – خياط الجبادور – خياط الحقائب والأكياس-  صانع وطراز الأحزمة المختلفة – محول خيوط الصوف أو الحرير أوالقطنإلى شباك أو مكرامي – صانع المنتجات بالكروشي – صانع الخريب – صانع خزاين والخيام- صانع الطربوش والقبعات – صانع الحيطي – الطرز بمختلف أنواعه – اللباد. 

الحرف المتفرعة عن قطاع المصنوعات النباتية 

صانع منتجات من الرتان – صانع منتجات من السوخر (أوزيي)- صانع منتجات نفعية للتزيين من الورق- قصاب الدوم  أو سعف النخيل – صانع منتجات من الرافي – صانع الحبال – صانع الشباك – صانع القنب- صانع المنتجات من الفلين – صانع التارازى – برادعي – حصار . 

الحرف المتفرعة عن قطاع المعادن 

الحداد- صانع المنتجات المعدنية المطروقة أو المرصعة- صانع الشبابيك والهياكل والإطارات المعدنية- صانع البراد- صانع الصينية والتوابع- الفضاض والذهاب- صانع البنادق والمسدسات التقليدية- صانع الخلخال – صانع المضمات- صانع الخواتم والأساور وباقي أنواع الحلي- صانع الخناجر والقلادات المختلفة- النقش على مختلف المعادن- صانع الموازن والمكاييل - صانع الثريات. 

نماذج من الصناعة التقليدية 

النقش على الجبص 

 يعتبر النقش على الجبص من إبداع الصناع المغاربة الذين حافظوا على هذا التقليد الأمازيغي العربي  الإسلامي وطوروه وبرعوا في  إدخال تجديدات وابتكارات، ووضع أشكال وتصاميم رائعة. 

وتشتهر المدن العتيقة بفن النقش على الجبص كفاس ومكناس والرباط ومراكش وتازة وتطوان وسلا وطنجة وأكادير، وغيرها من المدن الضاربة في عمق التاريخ. 

التزيين والزخرفة 

هندسة تقليدية تتسم بالرسوم والزخارف الرائعة، وتتعدد أنماطها وتنتشر لتجدها في المساجد والقصور والحدائق والروض وداخل البيوت، وبالأواني والزرابي، والأنسجة والأدوات المنزلية والتحف الفنية. 

وقد استلهم فن  الزليج المغربي خصائصه وجماليته من الفسيفساء البيزنطية. أما النقش على الخشب فينحدر من تقاليد عتيقة  لاسيما الأندلسية والمشرقية منها وترصيعه  والذي يعود لتقاليد قديمة ظهرت في بابل وسوريا القديمة، تنضاف له زخارف الجبص، التي تعد ركيزة من ركائز فنون التزيين المغربي. 

أما صناعة النسيج فتعتبر من أقدم وأعرق الحرف التقليدية بالمغرب. وقد مارسها الأمازيغيون  الأوائل وأتقنوها قبل احتكاكهم بالحضارة الفنيقية. ومن منتوجات النسيج الخمار واللحاف، والزرابي التي تنتج في مختلف القبائل المغربية وتعتبر أساس الأثاث المنزلي . وتختلف الزربية في المدينة عنها في البادية من حيث الأشكال والألوان. 

ومن فروع النسيج الأخرى فن الطرز التقليدي الذي يهم بالأساس الملابس النسائية، وتزيين الأفرشة المنزلية 

وتتشكل صناعة المعادن (الصفارة المنزلية) التي تستعمل فيها صفائح النحاس ومادة (الميشور: مزيج من النحاس والنيكل الأبيض) تتشكل من الأواني النحاسية والفضية والبرونزية أحيانا، والمتمثلة في الأباريق والقدور والأطباق والبابور والطست والمهراس والمبخرة والمرشة والصينية. 

وللمغرب شهرة واسعة في صناعة الجلد إلى درجة أن هذه الحرفة الأصيلة والنبيلة أصبحت تحمل اسم المغرب( ماروكانري)، وهي حرفة ذات أصالة وعراقة ولها امتداد في تاريخ المغرب. وتستعمل في المصنوعات الجلدية جلود الخرفان والماعز والبقر والجمال بعد مرورها بعملية الدبغ. 

ولا تقتصر الصناعات التقليدية على الحرف والمهن المرتبطة أساسا بالحاجيات الضرورية للمجتمع فهناك أيضا صناعات ذات علاقة بعالم الفن ألا وهي صناعة الآلات الموسيقية  كآ لة  الكمبري وآلات النقر وآلة العود وآلة القانون. 

وللصناعة التقليدية أسواق وأحياء. فقد كانت المدن العتيقة تتوفر على أحياء خاصة بالصناع التقليديين، وهوتنظيم تقليدي كان يراعى فيه مجال البيئة. واشتهرت بفاس أحياء مثل النجارين والصفارين والغرابليين والشرابليين. وبالرباط أحياء مثل الدباغين والصياغين  وحي صناع الزرابي،  وكذلك الشأن بوجدة ومراكش وتطوان والصويرة وآسفي وسلا وجميع المدن التاريخية. 
  
وقد انتقلت الصناعة التقليدية في جل الورشات من صناعة تقليدية بحتة تعتمد على الأدوات والوسائل التقليدية إلى صناعة تقليدية معصرنة تستخدم مع المحافظة على الطابع التقليدي الأصيل المميز لها   أدوات ووسائل متطورة. 

      ويمثل قطاع الصناعة التقليدية 19 في المائة من الناتج الداخلي الخام ويساهم في إعالة  ثلث الساكنة المغربية، ويعد أحد مجالات الإبداع المغربي دون منازع وأحد أعمدة النشاط الاقتصادي بالمملكة. 
  
 إلا أن هذا القطاع ، الذي يعد ثاني أكبر مشغل لليد العاملة بالمملكة بعد  الفلاحة، يمر بفترة صعبة إلى درجة يتحدث فيها المهنيون عن قرب  اندثار مهارة  متوارثة عبر قرون، وذلك بالنظر إلى الصعوبة التي أصبح يجدها في استقطاب يد عاملة  شابة باتت تفضل مهنا أخرى تغري بمدخول أفضل. وبالرغم من هذه الأزمة، التي تجد مبررها، بالخصوص، في قلة اهتمام الزبناء التقليديين المغاربة، فإن الفضل في بقاء  العديد من الحرف التقليدية يرجع للزوار الأجانب الذين يقبلون على هذا المنتوج التقليدي المغربي بشغف كبير. ولا زالت الصناعة التقليدية، بكل أصنافها، تشكل قوة اقتصادية مهمة، وكانت تساهم  قبل الحماية  في ضمان دينامية اقتصادية ونوع من التكافل الإجتماعي إلا أن السلطات الاستعمارية منحتها  إبان الحماية  صبغة ثقافية وحالت بالتالي  دون بروزها كصناعة قائمة الذات.

سجلماسة أو أيقونة العصر الوسيط



سجلماسة أو أيقونة العصر الوسيط


الرشيدية - بموقعها الاستراتيجي المتميز بالجنوب الشرقي للمغرب٬ شكلت مدينة سجلماسة على مدى التاريخ ملتقى للحضارات والتلاقح الثقافي٬ لم يتبقى منها اليوم سوى رسوم وأطلال ستظل شاهدة على عظمة الحضارة والتاريخ المغربي.


سجلماسة أو أيقونة العصر الوسيط
فقد اعتبرت سجلماسة٬ التي أضحى لسان حالها اليوم يردد قول الشاعر الجاهلي امرؤ القيس "قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل.."٬ من المدن التاريخية العريقة ٬ فهي المدينة التي أسست سنة 140هíœ ٬ حسب العديد من المصادر التاريخية الوسيطية٬ بل تعتبر أول مدينة إسلامية في الغرب الإسلامي بعد القيروان .

فبموقعها الاستراتيجي الذي كان يربط بين السودان الغربي وشمال المغرب عبر فاس ومراكش٬ وشرق المغرب العربي عبر تلمسان ٬ شكلت هذه المدينة أول محطة للقوافل التجارية القادمة من السودان ٬ وآخر محطة تجارية بالنسبة للقوافل القادمة من شمال وشرق المغرب تجاه تومبكتو٬ لذلك كانت ضمن أكبر الأسواق التجارية في الغرب الإسلامي.

ولعل في وصف الرحالة المغربي ابن بطوطة وليون الإفريقي ولسان الدين بن الخطيب وغيرهم ما يؤكد على الدور الاقتصادي المهم الذي كان لهذه المدينة٬ والمستوى الحضاري الراقي الذي وصلت إليه ٬ حيث امتزجت عدد من الحضارات الإفريقية والمشرقية و الأندلسية و المحلية ... لتعطي حضارة متميزة٬ من حيث التعايش بين مكونات المجتمع الفيلالي/السجلماسي من عرب وأمازيغ ويهود وأندلسيين وأفارقة وغيرهم.

وإلى جانب التجارة عرفت سجلماسة /تافيلالت تطورا علميا من خلال ما يقدم في مسجدها الجامع بالقصبة السجلماسية على سبيل المثال٬ من علوم ومحاضرات كان يلقيها عدد من العلماء والفقهاء. فكانت مدرسة عامرة بالعلم٬ ومعهدا مليئا بالدرس والتحصيل٬ إلى جانب مدارسها العديدة٬ التي تستقبل الطلاب الوافدين عليها من الآفاق البعيدة.

كما تعتبر سجلماسة أول مدينة في المغرب درس بها علم البيان من طرف الفقيه والعالم الشريف الحسن بن القاسم القادم من ينبوع النخيل في العهد المريني٬ مما أعطى للمدينة شهرة كبيرة جعلها قبلة لطلاب العلم ولعدد من العلماء٬ ولعل كتاب "الدرر البهية" لمؤلفه مولاي ادريس الفضيلي يقدم الشيء الكثير عن هذه المدينة ٬ من الناحية العلمية والازدهار العلمي الذي كان بها٬ إلى جانب عدد من المصادر والمراجع٬ التي كتبت الكثير عن تاريخ وحضارة هذه المدينة.

وقلما يخلو مؤلف في التاريخ العام أو الخاص ٬ وكذا كتب الجغرافية٬ من ذكر سجلماسة - بسطا أو اختصاراً - باعتبارها مدينة سياسية واقتصادية وعلمية غير أن هذه الذاكرة التاريخية وهذا الموروث الحضاري وخاصة الموقع الاثري لسجلماسة أصبح اليوم عرضة للاندثار والخراب ذلك أنه يتم تدمير ما تبقى من معالم عمرانية في هذا الموقع المعروف محليا ب" المدينة العامرة ".

وحسب محمد أمراني علوي٬ باحث في التاريخ٬ فإنه يصعب اليوم على الباحثين والأركيولوجيين والمؤرخين القيام ببحوث ميدانية للتنقيب وكشف الحقائق التاريخية التي أوردتها مختلف المصادر عن هذه المدينة التاريخية.

ودعا السيد أمراني٬ في هذا الاطار٬ إلى حماية هذا الموقع الأثري على اعتبار أنه يشكل التراث الانساني والحضاري لمجتمع سجلماسي/ فيلالي ٬ خصوصا وأنه تم اكتشاف عدد من الحفريات الأركيولوجية التي أظهرت عدة حقائق تاريخية.

ولعل هذا ما يفرض٬ يضيف الباحث٬ على السلطات المعنية تأهيل الموقع الأثري لهذه المدينة٬ حتى لا يتم تدمير ما تبقى منه٬ وبالتالي فقدان جزء من الذاكرة التاريخية٬ ولا يتم هذا إلا بتوفير آليات الحماية والحفاظ الضروريتين وعدم السماح بتوسيع المجال العمراني على حساب هذا الموروث الحضاري٬ فضلا عن تشجيع الباحثين والمهتمين بالتراث والذاكرة المحلية للكشف والتعريف بكل المعالم الحضارية والتراثية لسجلماسة٬ حتى توظف في تحقيق التنمية المنشودة٬ والعمل على طبع البحوث والدراسات التي أنجزت حول هذه المدينة التاريخية.

ولتحقيق اشعاع ثقافي يعيد لهذه المدينة مجدها الغابر يتعين ٬ يضيف الباحث٬ تنظيم مهرجان سنوي خاص بسجلماسة ٬ يساهم في التعريف بحضارتها وتراثها المعماري والشفوي٬ وبذلك سيتم الحفاظ على هذا الموروث الإنساني واستغلاله في التنمية المحلية على المستوى الاقتصادي.

ودعا في هذا الاطار إلى ضرورة انخراط كافة المعنيين والمهتمين بالتراث السجلماسي/ الفيلالي من باحثين وفنانين وجمعيات المجتمع المدني ومنتخبين خدمة لهذا التراث الذي طاله النسيان.

و م ع - علي الحسني العلوي

القاضي عياض


القاضي عياض



يعود نسب القاضي "عياض بن موسى اليحصبي" إلى إحدى قبائل اليمن العربية القحطانية، وكان أسلافه قد نزلوا مدينة "بسطة" الأندلسية من نواحي "غرناطة" واستقروا بها، ثم انتقلوا إلى مدينة "فاس" المغربية، ثم غادرها جده "عمرون" إلى مدينة "سبتة" حوالي سنة (373 هـ = 893م)، واشتهرت أسرته بـ"سبتة"؛ لما عُرف عنها من تقوى وصلاح، وشهدت هذه المدينة مولد عياض في (15 من شعبان 476هـ = 28 من ديسمبر 1083م)، ونشأ بها وتعلم، وتتلمذ على شيوخها.


القاضي عياض
الرحلة في طلب العلم

رحل عياض إلى الأندلس سنة (507هـ = 1113م) طلبًا لسماع الحديث وتحقيق الروايات، وطاف بحواضر الأندلس التي كانت تفخر بشيوخها وأعلامها في الفقه والحديث؛ فنزل قرطبة أول ما نزل، وأخذ عن شيوخها المعروفين كـ"ابن عتاب"، و"ابن الحاج"، و"ابن رشد"، و"أبي الحسين بن سراج" وغيرهم، ثم رحل إلى "مرسية" سنة (508هـ = 1114م)، والتقى بأبي علي الحسين بن محمد الصدفي، وكان حافظًا متقنًا حجة في عصره، فلازمه، وسمع عليه الصحيحين البخاري ومسلم، وأجازه بجميع مروياته.

اكتفى عياض بما حصله في رحلته إلى الأندلس، ولم يلبث أن رحل إلى المشرق مثلما يفعل غيره من طلاب العلم، وفي هذا إشارة إلى ازدهار الحركة العلمية في الأندلس وظهور عدد كبير من علمائها في ميادين الثقافة العربية والإسلامية، يناظرون في سعة علمهم ونبوغهم علماء المشرق المعروفين.

عاد عياض إلى "سبتة" غزير العلم، جامعًا معارف واسعة؛ فاتجهت إليه الأنظار، والتفَّ حوله طلاب العلم وطلاب الفتوى، وكانت عودته في (7 من جمادى الآخرة 508هـ = 9 من أكتوبر 1114م)، وجلس للتدريس وهو في الثانية والثلاثين من عمره، ثم تقلد منصب القضاء في "سبتة" سنة (515 هـ = 1121م) وظل في منصبه ستة عشر عامًا، كان موضع تقدير الناس وإجلالهم له، ثم تولى قضاء "غرناطة" سنة (531هـ = 1136م) وأقام بها مدة، ثم عاد إلى "سبتة" مرة أخرى ليتولى قضاءها سنة (539هـ = 1144م).

القاضي عياض محدثًا

كانت حياة القاضي عياض موزعة بين القضاء والإقراء والتأليف، غير أن الذي أذاع شهرته، وخلَّد ذكره هو مصنفاته التي بوَّأَتْه مكانة رفيعة بين كبار الأئمة في تاريخ الإسلام، وحسبك مؤلفاته التي تشهد على سعة العلم وإتقان الحفظ، وجودة الفكر، والتبحر في فنون مختلفة من العلم.

وكان القاضي عياض في علم الحديث الفذَّ في الحفظ والرواية والدراية، العارف بطرقه، الحافظ لرجاله، البصير بحالهم؛ ولكي ينال هذه المكانة المرموقة كان سعيه الحثيث في سماع الحديث من رجاله المعروفين والرحلة في طلبه، حتى تحقق له من علو الإسناد والضبط والإتقان ما لم يتحقق إلا للجهابذة من المحدِّثين، وكان منهج عياض في الرواية يقوم على التحقيق والتدقيق وتوثيق المتن، وهو يعد النقل والرواية الأصل في إثبات صحة الحديث، وتشدد في قضية النقد لمتن الحديث ولفظه، وتأويل لفظه أو روايته بالمعنى، وما يجره ذلك من أبواب الخلاف.

وطالب المحدث أن ينقل الحديث مثلما سمعه ورواه، وأنه إذا انتقد ما سمعه فإنه يجب عليه إيراد ما سمعه مع التنبيه على ما فيه؛ أي أنه يروي الحديث كما سمعه مع بيان ما يَعِنُّ له من تصويب فيه، دون قطع برأي يؤدي إلى الجرأة على الحديث، ويفتح بابًا للتهجم قد يحمل صاحبه على التعبير والتصرف في الحديث بالرأي.

وألَّف القاضي في شرح الحديث ثلاثة كتب هي: "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" وهو من أدَلِّ الكتب على سعة ثقافة عياض عياض في هذا الكتاب ما التبس أو أشكل من ألفاظ الحديث الذي ورد في الصحيحين وموطأ مالك، وشرح ما غمض في الكتب الثلاثة من ألفاظ، وحرَّر ما وقع فيه الاختلاف، أو تصرف فيه الرواة بالخطأ والتوهم في السند والمتن، ثم رتَّب هذه الكلمات التي عرض لها على ترتيب حروف المعجم.

أما الكتابان الآخران فهما "إكمال المعلم" شرح فيه صحيح مسلم، و"بغية الرائد لما في حديث أم زرع من الفوائد".

وله في علم الحديث كتاب عظيم هو " الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع"

القاضي عياض فقيهًا

درس القاضي عياض على شيوخه بـ"سبتة" المدونة لابن سحنون، وهو مؤلَّف يدور عليه الفقه المالكي، ويُعَدُّ مرجعَهُ الأول بلا منازع، وقد كُتبت عليه الشروح والمختصرات والحواشي، غير أن المدونة لم تكن حسنة التبويب؛ حيث تتداخل فيها المسائل المختلفة في الباب الواحد، وتعاني من عدم إحكام وضع الآثار مع المسائل الفقهية.

وقد لاحظ القاضي عياض هذا عند دراسته "المدونة" على أكثر من شيخ؛ فنهض إلى عمل عظيم، فحرَّر رواياتها، وسمى رواتها، وشرح غامضها، وضبط ألفاظها، وذلك في كتابه "التنبيهات المستنبَطة على الكتب المدونة والمختلطة" ولا شكَّ أن قيام القاضي عياض بمثل هذا العمل يُعد خطوة مهمة في سبيل ضبط المذهب المالكي وازدهاره.

القاضي عياض مؤرخًا

ودخل القاضي ميدان التاريخ من باب الفقه والحديث، فألَّف كتابه المعروف " تدريب المدارك"، وهو يُعَدُّ أكبر موسوعة تتناول ترجمة رجال المذهب المالكي ورواة "الموطأ" وعلمائه، وقد استهلَّ الكتاب ببيان فضل علم أهل المدينة، ودافع عن نظرية المالكية في الأخذ بعمل أهل المدينة، باعتباره عندهم من أصول التشريع، وحاول ترجيح مذهبه على سائر المذاهب، ثم شرع في الترجمة للإمام مالك وأصحابه وتلاميذه، وهو يعتمد في كتابه على نظام الطبقات دون اعتبار للترتيب الألفبائي؛ حيث أورد بعد ترجمة الإمام مالك ترجمة أصحابه، ثم أتباعهم طبقة طبقة حتى وصل إلى شيوخه الذين عاصرهم وتلقى على أيديهم.

والتزم في طبقاته التوزيع الجغرافي لمن يترجم لهم، وخصص لكل بلد عنوانًا يدرج تحته علماءه من المالكية؛ فخصص للمدينة ومصر والشام والعراق عناوين خاصة بها، وإن كان ملتزما بنظام الطبقات.

وأفرد لعلمائه وشيوخه الذين التقى بهم في رحلته كتابه المعروف باسم "الغُنية"، ترجم لهم فيه، وتناول حياتهم ومؤلفاتهم وما لهم من مكانة ومنزله وتأثير، كما أفرد مكانا لشيخه القاضي أبي على الحسين الصدفي في كتابه "المعجم" تعرض فيه لشيخه وأخباره وشيوخه، وكان "الصدفي" عالمًا عظيما اتسعت مروياته، وصار حلقة وصل بين سلاسل الإسناد لعلماء المشرق والمغرب؛ لكثرة ما قابل من العلماء، وروى عنهم، واستُجيز منهم.

القاضي عياض أديبًا

وكان القاضي أديبًا كبيرًا إلى جانب كونه محدثًا فقيهًا، له بيان قوي وأسلوب بليغ، يشف عن ثقافة لغوية متمكنة وبصر بالعربية وفنونها، ولم يكن ذلك غريبًا عليه؛ فقد كان حريصًا على دراسة كتب اللغة والأدب حرصه على تلقي الحديث والفقه، فقرأ أمهات كتب الأدب، ورواها بالإسناد عن شيوخه مثلما فعل مع كتب الحديث والآثار، فدرس "الكامل" للمبرد و"أدب الكاتب" لابن قتيبة، و"إصلاح المنطق" لابن السكيت، و"ديوان الحماسة"، و"الأمالي" لأبي علي القالي.

وكان لهذه الدراسة أثرها فيما كتب وأنشأ، وطبعت أسلوبه بجمال اللفظ، وإحكام العبارة، وقوة السبك، ودقة التعبير.

ولا يمكن لأحد أن يغفل كتابه العظيم "الشفا بأحوال المصطفى" الذي تناول فيه سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم)
عاش القاضي عياض الشطر الأكبر من حياته في ظل دولة "المرابطين"، التي كانت تدعم المذهب المالكي، وتكرم علماءه، وتوليهم مناصب القيادة والتوجيه، فلما حلَّ بها الضعف ودبَّ فيها الوهن ظهرت دولة "الموحدين"، وقامت على أنقاض المرابطين، وكانت دولة تقوم على أساس دعوة دينية، وتهدف إلى تحرير الفكر من جمود الفقهاء والعودة إلى القرآن والسنة بدلاً من الانشغال بالفروع الفقهية، وكان من الطبيعي أن يصطدم القاضي عياض -بتكوينه الثقافي ومذهبه الفقهي- مع الدولة القادمة، بل قاد أهل "سبتة" للثورة عليها، لكنها لم تفلح، واضطر القاضي أن يبايع زعيم "الموحدين" عبد المؤمن بن علي الكومي.

ولم تطُلْ به الحياة في عهد "الموحدين"، فتوفي في (9 من جمادى الآخرة 544 هـ = 14 من أكتوبر 1149م)

من رواية ( تلك العتمة الباهرة )


من رواية ( تلك العتمة الباهرة )


لطالما فتشت عن الحجر الأسود الذي يظهر روح الموت .. وعندما أقول لطالما .. أتخيل بئراً لا قعر ،
نفقاً حفرته بأصابعي وأسناني ..
يحدوني الأمل العنيد بأن أبصر ، ولو لدقيقة ، لدقيقة متمادية خالدة .. شعاع من نور .. شرارة من شأنها أن تنطبع في مآق عيني وتحفظها أحشائي مصونة كسر .
فتكون هنا ساكنة صدري مرضعة الليالي البلاختام ..هنا في هذا القبر في باطن الأرض الرطبة المفعمة برائحة الإنسان المفرغ من إنسانيته بضربات معزقة تسلخ جلده وتنزع منه البصر والصوت والعقل ..

آه من البطء !
أول أعدائنا ..
ذلك البطء الذي كان يجعل قلوبنا خافقة على الإيقاع العذب للموت القليل ، كأن علينا أن ننطفئ كشمعة مضاءة بعيداً منا وتذوب بعذوبة الرغد ..
غالباً ما كنت أتخيل تلك الشمعة المضاءة المصنوعة لا من شمع بل من مادة مجهولة توهم بالشعلة الخالدة .. ستارة رمزية على بقائنا .
:
بقائي حياً وتعذيبي واحتضاري ، أمور مدونة على غشاء الليل ..
الليل، آه ! ملحفتي المنسوجة من غبار مجمد . فسحتي المشغولة من أشجار سود لا ترجحها ريح الصقيع إلا لتؤلم ساقي ، وأصابعي المسحوقة بأخمص رشاش .
ما كان الليل يهبط كما يقال ، بل كان هناك ، مكتنفاً طوال الوقت ، ولي عذاباتنا يعرضها لحساسيتنا إذا ما أفلحنا في أن نبطل إحساسنا ..

كان الليل كسوتنا ..
كا يحيطنا برعايته ..
لا أثر لنور ، لا أثر لبصيص ضياء . لكن أعيننا وإن فقدت البصر ، اعتادته . كنا نبصر في الظلمات ، أو نظن أننا نبصر .
كانت صورنا ظلالاً متنقلة في العتمة ، بعضها يعثر بالبعض ، أو يعثر بكراز الماء .. أو يطيح بكسرة الخبز اليابس التي يحتفظ بها البعض اتقاء لتشنجات المعدة ..

كان الليل قد كف عن أن يكون هو الليل !
فما عاد له نهار ولا نجوم ولا قمر ولا سماء . كنا نحن الليل ..
وإلى الأبد ليلية أجسادنا وأنفاسنا وخفق قلوبنا وتلمسات أيدينا ، متنقلة من جدار إلى آخر دونما جهد نبذله ، لأن المساحة جعلت مساحة قبر لحي ..
لم نكن نقيم في كنف أيما ليل ..

كان ليلاً وافداً علينا على صهوة جواد أغبر يتبعه رهط من الكلاب المسعورة ، رمى بجلبابه الثقيل على وجوهنا فما عاد يذهلنا شيء ..
جلباب ليس فيه حتى الثقوب التي يحدثها العث !
لا فقد كان جلباباً من الرمال الرطبة .
الريح على الفور تمنحنا ما يكفي لأن نبقى بعيداً من الحياة على مقربة من الموت !
كان الجلباب هذا يزن زنة أطنان ، غير مرئي لكنه محسوس !!
وكانت أصابعي تفقد جلدها حين ألمسه ..وكنت أخفي يدي خلف ظهري لكي لا ألمس الليل مجدداً

كانت لنا خيارات التفضيل بين وجعين ، ولكن ليس حقاً . فقد كان على الجسم كله أن يتوجع . كل جزء منه بلا استثناء . والقبر قد أعد ( عبارة أخرى من عبارات الحياة ، ولكن ينبغي أن نواصل استعارة أشياء صغيرة من أشياء الحياة ) بحيث يتلقى الجسم كل ضروب العذاب الممكنة ، وأن يكابدها بأبطأ ما في البطء ، وأن يبقى على قيد الحياة لكي يسأم عذابات أخرى .

كان القبر زنزانة يبلغ طولها ثلاثة أمتار وعرضها متراً ونص المتر ، أما سقفها فوطيءٌ جداً يتراوح ارتفاعه بين مئة وخمسين ومئة وستين سنتمتراً . لم يكن بامكاني أن أقف فيها .

أن تكون هناك من دون أن تكون هناك .. أن يغلق المرء حواسه ويسلطها في اتجاه آخر ، ويمنحها حياة أخرى . كأني رميت في تلك الحفرة مجرداً من حواسي الخمس . وهذا ما كان : أتظاهر بأني أودعتها خزانة أمانات في محطة ما .. بعيداً عن متناول الجميع ، تعويذة مستقبل ما ..

كنت أقع في الحفرة كجراب رمل ، كرزمة لها هيئة إنسان .أقع ولا أشعر بشيء . كنت لا أحس بلألم في أي موضع مني .
لا ، مثل هذه الحالة لم أبلغها إلا بعد سنوات من الأوجاع ، وأحسب أن الألم قد يكون أعانني . الذي لا ينتهي فلشدة ما تألمت ولشدة ما تعذبت ، تمكنت شيئاً فشيئاً ، من الانفصال عن جسدي ، كنت محلقاً على الجهة الأخرى من الليل .
ولكن قبل أن أبلغ ما بلغت ، كان علي أن أسير لقرون من الزمن في ليل النفق !

في الحقيقة كنت حياً ! مكابداً الحياة في بؤسها المدقع ، في الاختبار الذي لا ختام له سوى الموت ، غير أن كل ذلك يشبه الحياة !

منذ ليلة دخولي الحفرة توقفت سنوات عمري . لم أتقدم في السن ، ولم أجدد صباي . من يومها فقدت سني ، فلم يعد باديا على محياي . والواقع أني ما عدت هناك لكي أمنح عمري وجها ، إذا وقف ناحية العدم .. هناك حيث لا وجود للزمن ، متروكا للريح .. مستسلما لذلك الشاطئ الواسع من الملاءات البيض التي يرجحها نسم خفيف ، موهوبا للسماء المفرغة من نجومها ، من صورها ، من أحلام الطفولة التي كانت هي ملاذها ، المفرغة من كل شيء !
لقد لذت بتلك الناحية لكي أتعلم النسيان ..
لكني لم أفلح يوما في أن أقيم بكل ما أكون في العدم ، ولا حتى بالفكر !

جاءني الشقاء مثل وعد ، مثل إعصار ، ذات يوم كانت سماؤه زرقاء ، ما غشي عيني وأفقدهما البصر هنيهات ، ومال رأسي المذهول كأنه مقبل على السقوط .

طوال ساعة أو أقل أبقيت عيني مفتوحتين ، وفمي فاغرا ، لكي أتجرع ما أمكن من الضوء ..
لكي أتنشق الضياء وأختزنه في داخلي وأحفظه ملاذا لي فأستذكره كلما أطبقت العتمة ثقيلة فوق جفني . أبقيت جذعي عاريا لكي يتشبع جلدي بالضوء ويختزنه كأثمن ما يقتني !
عند المساء ، خجلت من تلك الغبطة التي جلبها لي دفن أحد رفاقي ..
كانت تلك مكافأتنا ، وأملنا السري ، الأمل الذي ما كنا نجرؤ على التعبير عنه بكلمات ، لكنه يراود أفكارنا .
واستحال الموت شعاع شمس بهيا .

التذكر هو الموت !
لقد استغرقني بعض الوقت كيما أدرك أن التذكر هو العدو !
فمن يستدع ذكرياته يمت توا ..
كنا منسيين تحت الأرض ، بعيدا كل البعد عن الحياة ، وعن ذكرياتنا ..
وبرغم الأسوار التي تطوقنا ، لم تكن الجدران حصينة بما يكفي !
فلاشيء يحول دون فوران الذاكرة .
تجربة مغرية أن تستسلم لحلم يقظة يثري فيه الماضي صورا مجملة في الأغلب ، ومغبشة أحيانا ، وواضحة في أحيانا أخرى ، تتدفق دونما ترتيب أو نسق ، باعثة شبح الرجوع إلى الحياة !
مضمخة بعطور الاحتفال أو الأدهى بعطورالسعادة الاعتيادية ..

آه كم هي جميلة أشياء الحياة البسيطة ..
وكم هي مرعبة حين لا تعود هنا !
دونها المستحيل إلى الأبد !
إن الحلم الذي انقدت إليه في البداية ، كان مزيفاً . لقد جملت عمداً خامة وقائعه ، وأضفت اللون على الأسود بالمجان ..
كانت تلك لعبة وجدت بها قدراً من الوقاحة ، ومع ذلك كان من الممكن أن ألطف جلجلتي بشيء من التحدي .كنت ما زلت محتاجاً لتلك الأعذار الكاذبة لأقنع التسامح الذي ألم بي . لم أكن مخدوعاً ، فالدرب شاق وطويل ، إنه درب مريب .

كان الليل ماثلاً ليذكرنا بهشاشتنا .
أن نقاوم ما أمكنننا .. ألا نسقط .. أن نوصد أبواب كل الأبواب . أن نتصلب .. أن نفرغ أذهاننا من الماضي . أن ننظفها .
ألا ننظر إلى الوراء ، وأن نتعلم ألا نتذكر .
كان ينبغي ألا أشعر بعد ذلك بأنني معني بحياتي السابقة .. حتى لو جاءت الصور والعبارات إلى ليلي وراحت تحوم من حولي فالمفترض بي أن أطردها ، أن أزجرها ، لأني ما عدت قادراً على التعرف عليها .

كانت أحلامي خصبة . غالباً ما تزورني ، تقضي بصحبتي هزيعاً من الليل ثم تتلاشى مخلفة في قعر ذاكرتي فضلات من حياة نهارية . لم أكن أحلم لا بإطلاق سراحي ولا بما كان سابقاً لفترة احتجازي ، بل كنت أحلم بزمن مثالي ..
بزمن معلق بين أغصان شجرة سماوية ..
بلى ، أوان الخوف ، الطفل الذي يستيقظ فينا ، أما هنا فالمجنون والعاقل فيَّ يخوضان نزاعاً مريراً : من منهما سيحملني إلى أبعد ما أستطيع .. وكن أراقب ، مبتسماً .. مطمئناً ، هذا التجاذب بين الطرفين .

كنت إذا لاحت لي الذكريات وراودتني ، أبذل ما أوتيت من قدرات لكي أخمدها ، وأقطع عليها الطريق
كنت أردد بداهات كيما أنهك الصورة ريثما تتلاشى وتغرق في النسيان . حين كانت صوراً أخرى تسعى لأن تنبثق من الذاكرة ، كنت ألغيها متظاهراً بأنني أحرقها . فأقول في سري إنها لا تعنيني ، لقد أخطأت الخانة وأخطأت الشخص المعني . وببساطة لم أكن أتعرف إليها ولم يكن علي أن أفعل . وإذا ما ثابرت ، وصارت كالهاجس ، ملحاحة ، كنت ألطم رأسي بالحائط حتى الدوار . أوجع نفسي فأنسى .. كانت الضربة على الجبين تقدر على أن تكسر تلك الصور التي تلاحقني لتستدرجني إلى الجهة الأخرى من الجدار ، إلى الجهة الأخرى من مقبرتنا الخفية .
لفرط ما لطمت رأسي تورم .. لكنه صار أخف لأنه أفرغ من ذكريات كثيرة .

سرعان ما أدركت أن غريزة البقاء لن تسعفني للبقاء حياً ..
فحتى تلك الغريزة التي نشارك الحيوانات بامتلاكها ، قد كسرت فينا . كيف السبيل إلى البقاء على قيد الحياة في هذا الحجر ؟
وما جدوى أن يجرجر واحدنا جسده إلى النور ، جسداً محطماً مشوهاً ؟ لقد وضعنا في ظروف محسوبة بدقة لكي تمنع غريزتنا من السعي لمستقبل ما . وأدركت أن الزمن لم يكن له أي معنى إلا في حركة الكائنات والأشياء .
والحال أننا كنا محكومين بالسكون وخلود الأشياء المادية ..
كنَّا في حــاضر جامد !!

ولو قيض لواحدنا شقاء ، أن يلتفت إلى الوراء أو أن يستشرف ذاته في المستقبل فمعنى ذلك أنه يستعجل موته .
إذ لا يتسع الحاضر إلا لجري وقائعه ، وعلينا أن نكتفي باللحظة القارة ، من دون أن نُعمل الفكر فيها ولعل إدراكي ذاك هو الذي أنقذ حياتي .

نشويات . النشويات كآبتي ، وصحبي ، وزائري ، وعادتي القسرية ، وبقائي ، وحقدي الصميمي ، وحبي المستنفذ ، المحرق ، المرمي ، حصتي من السعرات ، جنوني الملحاح !
النشويات صباحاً ومساءً ، مثل وصفة الطبيب .
لا سبيل لتغييرها ولا تنويعها . النشويات نفسها وتكراراً حتى الموت !
على هذا النحو أمضيت ثمانية عشر عاماُ ، وبالضبط ستة آلاف وستمئة وثلاثة وستين يوماً ، لا أطعم سواها والخبز اليابس ، لم أعرف غيرها ، وينبغي ألا أقول أطعمت بل أبقيت على قيد الحياة .

الوجع يمنحني صفاء غير معتاد .. أتالم ولكني أعلم ما الذي ينبغي فعله لكي تتوقف هذه المكيدة ..

إن دأبي على التركيز .. على التحكم بوتائر نفسي ..
وإصراري على فكرة .. على صورة .. على حجر مقدس يبعد آلاف الكيلومترات ومئات القرون عن زنزانتي
قد أتاح لي أن أنسى جسدي .. كنت أحس به .. أتحسسه ولكني شيئاً فشيئاً ، أنفصل عنه ..
كنت أتأملني .. فأكون روحاً محومة فوق الحفرة .. لم يكن ذلك يحصل في كل مرة ..
فجهد التأمل لا يؤدي على الدوام إلى مثل ذلك الانعتاق .. الأمر مرهون بالبرودة والحرارة .
فقد كنت أدرك أن الظروف المادية ليست مواتية لمشيئة الانعتاق بالفكر من ذلك الجحيم ..

لابد من أن هناك سماء ضيقة فوق الكوة ذات الغطاء المنخل ، تلك الفتحة غير المباشرة التي ينسرب عبرها الهواء لا النور . سماء أتخيل وجودها ، أملأها بالكلمات والصور . كنت أنقل النجوم ، أربك ترتيبها كي أستبدلها بقبس من ذلك النور الحبيس في صدري ، الذي كنت أشعر به . كيف يشعر بالضوء ؟ عندما يداعب ضياء لدني بشرتي ويدفئها ، أدرك إني حظيت بزيارته . وما كنت أفلح في استبقائه . عوضاً عن ذلك يسود صمت . كان يطبق فجأة على أبصارنا الكفيفة ’ يكتنفنا ويحط مثل يدٍ حانية ولا يثقل علي .

ينبغي القول إنه كانت هناك أنماط من الصمت :
صمت الليل ، وكان ضرورياً لنا
صمت الرفيق الذي يغادرنا ببطء ..
الصمت الذي نلزمة شارة حداد
صمت الدم الذي يجري متباطئاً
صمت الصور التي تلح وتلح على أذهاننا
صمت ظل الذكريات المحترقة
صمت السماء الداكنة التي لا تكاد تهدينا لو بعلامة واحدة ..
صمت الغياب .. غياب الحياة الباهر ..
أما الصمت الأشد قسوة ، والأشد وطأة .. فكان صمت النور !
صمت نافذ ومتعدد ..
كان صمت الليل وهو دائماً إياه لا يتغير
ثم هناك لحظات صمت النور .. غيابه المتمادي الذي لا ينتهي..

كنت أحسب أن شغب الحياة من ألوان شتى ويصدر جلبة تتخلل الأشجار
ذلك الإنفراج لن يدوم إلا بعض الوقت
قليل من العذوبة لكي استعد لتركيز أكثر صعوبة

كنت أردد ذكر الله بأسمائه الكثيرة فأغادر الزنزانة ولا أشعر بقدمي تدوسان الأرض . أنأى عن كل شيء حتى لا أرى من جسدي إلا غشاءه الشفيف . أكون عارياً ، لا ما أستره ، ولا ما أظهره . ومن كنف تلك العتمات يتبدى لي الحق بنوره الساطع . لا أكون شيئاً . حبة حنطة في مطحنة هائلة تدور على مهل ، وتسحقنا واحداً تلو الآخر . فتعاودني سورة النور وأسمعني مردداً{... ظلمات بعضها فوق بعض إذا اخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نور فما له من نور }
تأملت وأدركت .. ربما أتخيله .
لكني أقنع نفسي بأني أبصره .
كان الصمت درباً .. سبيلاً أذكره لكي أرجع إلى ذاتي .
كنت الصمت . أحتفي به في ذلك المنعزل الضيق الذي تفوح منه رائحة العفن .
وبعد هنيهات من الصفاء التام ، أسقط مجدداً في المطحنة التي تدور وئيداً .

احك لي حكاية وإلا مت !
بلى .. أحلم بأن أسمع كلمات بأن أدخلها في رأسي وأكسوها بالصور وأجعلها تدور كدولاب مدينة الملاعب
، وأضن بها ، واستذكرها عندما أشعر بالألم ، عندما يستبد بي الخوف من الجنون ..
هيا امنحنا شيئاً من مخيلتك .

بعد نشويات منتصف النهار .. يسود صمت مطبق ، ما يشعرني بأن الجميع ينتظرون ، فأرتمي في يم الحكاية غير مدركاً سلفاً ما سأحكيه .. أو كيف ستكون الخاتمة ..!

" كان يا ما كان رجل ثري بلغ من الثراء ما لا يعرف له مقدار غير أنه كان بخيلاً وتزوج عدد من النساء إلا أن أياً منهن لم تنجب له ولداً ..
يعلو صوت من الجهة الأخرى من المبنى :
" مهلاً ! صف لنا النساء ........"!!!

بعد أن صرت رواية .. رحت أجول في فنون السرد بين القصة والشعر . فذات يوم أتخيل حكاية فوق حدود المعقول ، مغالياً في عواقب الأحداث حتى لا أعيد مستمعي إلى الحياة التي خلفوها وراءهم ..
فالمهم عندي ألا أحدد أمكنة وتواريخ . إذ غالباً ما تجري الحكاية في زمن غامض لشرقٍ خرافي ، هو الأكثر غمضاً وبعداً ..

خلال تلاوتي الفقرات الأولى من " شعر متصل " لبول إيلوار ، أربكنتني تلك الفقرة
اليوم نور فريد
اليوم ( ... الحياة ...لا ) الطفولة كلها
محيلة الحياة إلى النور
بلا ماض ، بلا غد
اليوم حلم ليل
في وضح النهار كل شيء (....ينحل .. لا ) ينعتق
اليوم إني على الدوام ..

كنت أردد العبارة تكراراً كأن ذكر النور الذي حرمنا منه جعلني فاقد الذاكرة . كنت أردد كل بيت من الشعر كمدرس عجوز أصابه الهوس وقد بات موشكاً على فقدان ذاكرته

كان الآخرون يرددون من بعدي وبعضهم يقولها بالعربية :" بلا ماض بلا غد " .
كنا بذلك كمن تستبد به رعشة العاطفة .. لشدة ما مستنا تلك الكلمات التي جعلناها ملكاً لنا ، لاقتناعنا أنها كتبت من أجلنا .. عدت للوراء وأعدت تلاوة القصيدة بدءاً من :
" لا شيء أن يشوش قوام النور
حيث لست سوى أنا نفسي
وما أحب ..."

كنت مستعداً أن أترك لهم جسدي شريطة ألا يستولوا على نفسي على روحي ، على إرادتي ..

الريح التي حملت روحي إلى الشرق همت ساكنة . ما عاد شيء يلوح .
لا .. لا رعشة تسري في ورقة غصن . كانت تلك علامة العودة وختام الرحلة . وسوف أحيا في انتظار رحلة أخرى !
وسمعي مشدود نحو شبكة الكوة . لقد صرت شديد الانتباه إلى هبوب الهواء ، ذلك الهواء الذي يبقينا على قيد الحياة والذي بعبوره من هناك ، يحمل إلينا أخبار العالم ويغادرنا محملباً بصمتنا ، بعيائنا ، وبروائح رجال حجرتهم الرطوبة الحريفة لمعقل الاحتضار حيث ينبغي

أن نبقى واقفين !

لطالما نسيت أن لي أب ..

إني أصلي كثيرا .. أصلي إلى الله بغية أن أصرف نفسي عن العالم .ولكن العالم يُختزل بحفنة ضئيلة من الأشياء . إني لا أناضل ضد العالم بل ضد المشاعر التي ترود جوارنا لكي تجذبنا إلى بئر الكراهية . إني لا أصلي من أجلي ،وليس رجاءً بشيء بشيء ...بل دفعاً لشقاء البقاء . أصلي دفعاً للقنوط الذي يُهلكنا . .

صور كثيرة كانت تترى في ذهني . تتمازج ، تهتز ، تقع على الأرضية أو ترحل نحو أفق رمادي صور بالأبيض والأسود . كان رأسي يرقض أن يستقبل لوناً . أرى أبي سائراً محني الظهر كأنه يهم بالتقاط لقية ثمينة ، وأمامه .........

أتدري يا أنت الفاقد الصبر ، المحرق بالوقت على الدوام ، من لا يني الليل القار ، المؤمن بأن الموتى ممثلون يؤدون أدواراً على خشبة مسكونة بالظلال والأشباح ، من قلقة يتعاظم في الظلمات ، اعلم أني لست سوى خبر شائع ، نار متنكرة بالضياء ، قول يخرج من أحشائك ثم يهوي في البئر .

كنت قد لزمت الصمت .. مقتنعاً بأني صرت كتاباً لن يفتحه أحد !

إذا كنت قد أفلحت في مقاومة الإحباط وإذ ارتضيت أن أخوض الصراع ضد نفسي ، فقد كنت أسأل نفسي أحياناً عن مصدر الحيوية التي يستقوي بها جسمي وروحي ..!
لم يكن الألم هو الذي أشار علي بالطريق الذي أسلكها ، بل أنا ذاتي قبل أي ألم . وبصرف النظر عن أي ألم ، كان ينبغي أن أنتصر على شكوكي ، ومكامن ضعفي ، خصوصاً الأوهام التي يعذبها كل كائن الاطمئنان إلى الصور التي تزيف الواقع ، فالضعف يكمن في آن تصبح متواطئاً مع كذبة تنطلق من ذاتك لترتد إلى ذاتك ، فتحسب أنك ، بذلك خطوت خطوة إلى الأمام ..
والحال أنك إذا شئت أن تسير قدماً في تلك الصحراء ، فلا بد لك من الانعتاق من كل شيء ، وأن تدرك أن الفكرة وحدها التي تنعتق من كل شيء ، كفيلة بأن تفضي بك إلى لطائف الدعة التي قد يكون اسمها الوجد .

في عهد الطيش ، كنت أغالي في تقدير نفسي . .
كنت أحرق المراحل .. يومها ، لم تكن الحياة بالنسبة لي سوى بداهة جميلة ، وكذلك الأمر السعادة ..
كنت مخطئاً ..
فلا شأن للذات إلا في نظر الآخرين ، ودون ذلك مشقات اجتياز الصحارى والليالي ..
فآليت على نفسي أن أن أحيا التجربة من دون شكوى . وما لمت إلا نفسي في كنف الصمت بين صلاتين ..

بفضل الصلاة كنت أبلغ أفضل ما في بتواضع من ينفصل شيئاً فشيئاً ، عن جسمه مبتعداً عنه لكي لا يكون عبد عذاباته وشهوات هذيانه .
كنت قد بلغت حالاً من التخلي والزهد اللدني الذي يمدني بعزاء لا يستهان به . أصبحت شخصاً آخر . أنا الذي آمنت في السابق بأن الكائن لا يتبدل ، كنت في مواجهة أنا آخر منعتق من كل قيود الحياة المصطنعة ، لا حاجة له إلا إلى شيء ، غير طامع بأي رأفة . كنت عارياً .. وكان ذاك فوزي ..

كنت أصلي بصوت خفيض وأنقاد مستسلماً لموسيقى داخلية توائم الحال التي أكون فيها ، فلا أعود أسمع ما يقال من حولي ..
قبيل النهاية لا يعود جسمي طوع مشيئتي إذ يغادرني هو !
وعندئذٍ أنام متقوقعاً على ذاتي مثل هر . أتمسك به . أتشبث بالأرض لكي أمنعه من هجري كلياً . لا أعود قادراً على التفكير . لا أعود قادراً على تخيل أي شيء .. أصبح خاوياً ، أصبح زيغاً في تلك الحفرة التي ابتلعت إلى اليوم خمسة عشر رفيقاً من أصل ثلاثة وعشرين . لكل شيء حده . رأسي ما عاد يعقل ..أو بالكاد يفعل !

مضت ثماني عشرة سنة تقريباً لم أنظر خلالها إلى وجهي في المرآة ولو مرة واحدة . من أو ماذا أشبه ؟ عندما أفلح في رفع في ذراعي ، أمرر راحة يدي ببطء على وجهي . ومثل ضرير تنبئني أصابعي .

صرت حارس الصمت .. رافضاً التفاوض مع ليل الأمل الطويل . كان ينبغي أن نحيا ذلك الليل من دون اجتناب أشراكه ، ومن دون التشبث بالحجارة ، ومن دون التهام التراب الرطب ..
وعلمت أن بامكاننا اعتياد العيش كل شيء ، حتى العيش بلا وجه ، بلا أمل !

في تلك الليلة ، كنت أخوض آخر معاركي ، واستغرقني ذلك بضع ساعات . كانت مخالب الموت تجذب قلبي لكي تنزعه فيما أجذبه في الاتجاه المعاكس لكي استبقي الحياة ..!
لم يكن في نيتي بعد ثمانية عشر عاماً أن أدع الموت يتفوق على في معركتي . كنت أعلم أني سأفوز .
كنت وحيداً مع أوجاعي ، وحيداً مع أفكاري ، وحيداً مع جسدي الذي بلغ التلف منه حداً جعله غير ذي منفعه حتى لتجارب العلم .

كنت وحيداً ومرهقاً تشوه كتفي واحدودب ظهري وتجوف بطني وحُزمت أفكاري ، وعلقت في حيز محايد ، لا أسود ولا أبيض ، كأنما وصلت إلى نهاية شيء ما ..

كان الفراغ الذي خلفه الراحلون عنَّا يجعل للصرخة أصداء تتردد في كل الأرجاء ..
كأنها قصف رعد متماد في سماء معتمة ..

" سيدي الملازم أول ، ستكون أفضل حالاً لو استلقيت "
منذ عشرين عاماً لم أسمع أحداً يخاطبني ذاكراً رتبتي !
ساعدني على التمدد بالسرير ..
جعلت الأرض ترجح يمنة ويسرة ، الجدران تتقدم ثم تتراجع . أحسست بأني أهوي في الفراغ ..
وذكرني ذلك بقفزتي الأولى بالمظلة ، إذ شعرت بهلع خفيف في موضع القلب ، أما هناك فقد كان الهلع غامراً كأن المظلة لم تقذف .
كان جسمي مشبعاً بالجراح من كل صنف ونوع .. نفسي متعافية ، لا بل أقوى مما كانت في السابق !
لكن جلدي تالف إلى أبعد حد . تمكنت من الوقوف ..
كنت أقف كما في زنزانتي منحنياً .. كان السقف عالياً لكني أراه خفيضاً !
استلقيت على الأرض .. كانت صلبة وباردة فأشعرني ذلك بالأمان وصار بإمكاني أن أنام !!
أن أغرق في أكثر الليالي عمقاً ..

سوف يبقى ذلك اليوم يوماً تاريخياً في حياتي : ففيما كنت أستلقي على كرسي طبيب الأسنان المتحرك ، أبصرت شخصاً ما فوقي ..
من كان ذلك الغريب الذي يحدق بي ؟
كنت أرى وجهاً معلقاً بالسقف ..
كان ذلك الوجه المثلم ، المخطط بالتجاعيد والغموض المذعور المرعب ، كان وجهي أنا !
للمرة الأولى منذ ثمانية عشر سنة أقف قبالة صورتي ...
أغمضت عيني .. أحسست بالخوف ..
خفت من عيني الزائغتين ، من تلك النظرة التي أفلتت ، ىبمشقة ، من الموت
من ذلك الوجه الذي شاخ وفقد سيماء إنسانيته ..

حتى الطبيب لم يخف دهشته . قال لي بلطف :
" أتريدني أن أغطي المرآة ؟
- لا شكراً . سيكون علي أن أعتاد هذا الوجه الذي حملته من دون أن أدرك كيف يتغير ..!

أمي :
كانت في أيامها الأخيرة لكنها لا تشكو ..
" لن أجرؤ أبدأعلى الشكوى أمامك . يا بني إني أدرك ما قاسيته !
إني أعلم مقدار ما يستطيعه البشر إذا قرروا أن يأذوا بشراً آخرين ..
سروري كبير لأني رأيتك .."

أبي :
وصل متأخراً كعادته .. كان مصحوباً بزوجته الشابة !
" أو تدري يا بني إنه لم يكن في يوم من الأيام ، أباً لأي من أولاده ..
يحبهم ..
لكن ينبغي ألا يطلب منه أكثر من ذلك ..
لطالما كان على ما هو عليه الآن ..
يجب ألا تحقد عليه .. قل لي أن تزمامارات لم يكن موجوداً في يومٍ من الأيام ؟ "

هذا ما يقال .. لكن ما لفرق صحيح إنه لم يوجد يوماً ما .
ولا رغبة لي على الإطلاق في الذهاب إلى هناك للتثبت من الأمر ..
يبدو أن دغلاً من شجر السنديان العتيق قد انتقل وغطى الحفرة الكبيرة ..
ويقال أن البلدة نفسها ستغير اسمها ..ويقال ... ويقال ..:

فن أحواش



نبدة عن فن أحواش




يطلق لفظ "أحواش" و الذي يعني الفناء، على الرقص الجماعي بجميع أشكاله بجنوب المغرب خاصة في مناطق الأطلس الكبير و الصغير حيث تتوطن القبائل الأمازيغية المتحدثة بلهجة تاشلحيت.رقصة أحواش رقصة جماعية مختلطة بين الذكور و الإناث، و يشترط في الفتيات اللواتي يرقصن أحواش أن يكن عازبات حيث تستبعد النساء المتزوجات بينما لا يسري نفس الشرط على الرجال تتميز رقصات أحواش بتماثل حركات الراقصين و الراقصات، وهي حركات يختلف شكلها و سرعة إيقاعها باختلاف المناسبة و المنطقة، و في حالات نادرة، ينبري رجل أو امرأة أو هما معا للإنفراد بالرقص خارج حلقة المجموعة تقام رقصة "أحواش" بمختلف المناسبات التي يحييها أبناء القرى و القبائل كالأعياد الدينية و الوطنية ولكن تبقى بالخصوص تعبيرا عن الفرحة الجماعية التي توافق و تطبع دورة الحياة الزراعية  
يرتدي المشاركون في أحواش زي الحفلات و الأعياد المميز للقبيلة، فالرجال يلبسون الجلباب الوطني و القميص (تشامير) و البرنس و العمامة البيضاء و يتقلدون الخنجر الفضي، و" أقراب" ( المحفظة الجلدية المزركشة بالحرير ) بينما تتزين النساء بالحلي التقليدية التي تتكون عادة من القطع الفنية المسبوكة و كريات اللوبان



نظرية زوبعة الفراشه

  نظرية زوبعة الفراشة ، المعروفة أيضًا باسم تأثير الفراشة (Butterfly Effect) ، هي مفهوم في نظرية الفوضى (Chaos Theory) يشير إلى أن تغيرًا ص...