الأحد، 21 أبريل 2013

صناعة المعاجم بقلم اتحيتاح طارق


1 ـ المعـجـم:

   كانت صناعة المعاجم عبر التاريخ دليل يقظة وعلامة احترام الأقوام للغاتهم وحفظها من الضياع حتى لا يفقد التاريخ حلقات حضارته ولما كانت فصاحة اللغة وإتقانها دليل تفوق الإنسان على غيره فإن الحاجة كانت ماسة إلى وضع المعاجم و"قد انبعثت الصناعة المعجمية العربية في القرن السابع الميلادي لأسباب دينية، فقد صنفت المعاجم في بادئ الأمر لشرخ غريب القرآن والحديث الشريف"([1]).
فصناعة المعاجم قديما ارتبطت بالدين وكانت مهمتها شرح غريب الألفاظ إلا أن إسهام العرب قد تخطى حدود شرح القرآن والحديث ووصل إلى وصف اللغة من حيث هي مادة للدراسة كما يحدثنا الدكتور حسين نصار بقوله "أسهم العرب في تطوير علم اللغة وإرسائه في كثير من الأحيان على أسس علمية ووظائف بحث موضوعية ما زالت متبعة في كثير من البحوث اللغوية الحديثة وقد برز العرب بشكل خاص في تصنيف المعجمات ودراستها"([2]).
ويمكن أن نميز بين نوعين من المعاجم معجم ذهني ومعجم صناعي. فالمعجم الذهني يتميز بخصائصه المتميزة وهي أنه معجم مفتوح يتميز كذلك بالنسقية ليكون مطابقا للمفردات التي يتكلم بها المتكلم وهذه المفردات تكون مرتبطة بطريقة تمكننا من الحصول على المفردات التي نريدها بسرعة فائقة ومن خاصيته النسقية، ومفرداته تكون ممثلة  بطريقة موحدة والمعجم الذهني هو الذي يهمنا في دراستنا هذه بخلاف المعجم الصناعي الذي يتكون من الأوراق ويضم بين دفتيه أكبر عدد من مفردات اللغة مقرونة بالشرح والشاهد وتفسير المعنى ومرتبة ترتيبا خاصا على حسب حروف الهجاء أو الموضوع ويعد كل من معجم لسان العرب والوسيط أشهر المعاجم العربية.
"ومهما يكن من أمر المعاجم العربية الحديثة وأمر ما وصل إليه البحث المعجمي العربي فإنه لم يهدف بعد إلى وضع قاموس عام متوسط مثل le petit larousse الفرنسي أو لا روس الأطفال أو the shorter oxford english dictionary في أحجام مختلفة أو غيرها من معاجم الأمم الأخرى التي يبلور فيها القاموس ثقافة العصر ولغته ويستجيب للأهداف المتوخاة من وضعه..."([3]).

2 ـ أصول النظرية المعجمية الحديثة:
بدأ المعجم يأخذ مكانته  المناسبة في بناء النحو ابتداء من سنة 1965 إلا أن الصراع من أجل النظرية المعجمية ومن ثمة التأويلية لم ينطلق إلا مع ظهور ملاحظات حول التأثيم (Remarks ou Nominalisation) وهو مقال بدأ توزيعه في معهد مساسوسيتش للتكنولوجيا منذ عام 1965 وقد قاد تشو مسكي بنفسه في هذا المقال وفي مقالين آخرين كتبا بعد ذلك بسنة ونشر الكل في تشو مسكي 1972 ورغم ما اقترح من مراجعات للنظرية المعيار من 1967 إلى 1977 لا يهم الجزئيات، بل يهم القضايا المركزية فإن تشو مسكي ظل يتحدث عن النظرية المعيار الموسعة وهي تسمية لا تعكس التغيرات المهمة التي طرأت منذ عام 1965.



3 ـ العلاقة بين النحو والمعجـم:
من الملاحظات المألوفة في علم اللغة الملاحظة القائلة أن النحو والمعجم قسمان مهمان من البنية اللغوية وتتغير علاقة المعجم بالنحو تغيرا كبيرا من نظرية لغوية إلى أخرى فنحو تشو مسكي Chomsky مثلا يشتمل بذاته على معجم وفي هذا يقول تشو مسكي إن النحو يتألف أساسا من عنصر مطلق ومعجم، ويتكون المعجم من مداخل كل واحد منها بمثابة نظام من الملامح المخصصة.
ويهتم المعجم بمفردات اللغة بينما يهتم النحو بالعلاقات المجردة التي تدخل فيها هذه المفردات وهذا قول مضلل آخر قد يكون نتيجة لسؤفهم بعض تعار يف النحو مثل تعرdف فرانس الذي يقول "نعني بالبنية النحوية ترتيب المورفيمات والكلمات في عبارات ذات معنى وعلى هذا يمكن تعريف النحو على أنه فرع من علم اللغة يختص بتنظيم الوحدات المورفيمية في بنيات أوسع من الكلمات ولها معنى مفهوم"([4]).
"ومن الآراء المضلة الأخرى هو أن النحو مختص بالشكل أما المعجم فمختص بالمعنى وهذا الرأي بعيد عن الصواب لأن هناك تداخلا كبيرا بين النحو والمعجم فالقواعد النحوية تشتمل على معاني الأنماط البنيوية واللواحق التصريفية والمورفيمات الاشتقاقية، أما بالنسبة للمعجم فإنه لا يعطينا معاني مفردات فحسب بل يزودنا بمعلومات شكلية عن سلوكها البنيوي كذلك، وعلاوة على ذلك فإن الشكل والمعنى لا يتعارض بعضهما مع بعض بل يكمل أحدهما الآخر"([5]).
أما كيلسن فيشدد على ضرورة فهرسة القواعد النحوية في المعجم بقوله "يجب أن يقدم المعجم تشخيصا نحويا وافيا لكل مدخل فيه، ولا يكفي وخاصة في المعجم الثنائي اللغة ووصف الكلمة بأنها اسم أو فعل فقط إذا ما علمنا أن هنالك أصنافا فرعية عديدة لكل قسم من أقسام الكلام ولهذا يجب أن يقوم المعجم حقا بفهرسة القواعد النحوية".
وقد تصور vissarion grigorievitch (1811-1848) أن النحو لا يعطي اللغة قواعد وإنما يستخرج القواعد من اللغة ويواصل قائلا بأن الكلمة مرتبطة بالفكرة وأن النحو مرتبط بالمنطق وأن اللغة والتفكير مرتبطان ببعضهما البعض([6]).
ومهما يكن من أمر العلاقة بين النحو والمعجم فإنه ليس من الطبيعي الإقرار أن العلاقة بين النحو والمعجم علاقة انفصال لأن النحو في النهاية ما هو إلا إسقاط للمعجم.

4 ـ المكـون المعجمـي:
المكون المعجمي عبارة عن مداخل معجمية (Entrées lexicales) والمدخل المعجمي عبارة عن سمات مميزة ومتنوعة، سمات مميزة صواتية وسمات مميزة دلالية.
السمات المميزة الصواتية تأخذ من قائمة السمات المميزة الصواتية العامة (صامت، مجهور، شفوي...).
أما السمات المميزة الدلالية عبارة عن قاموس أو معجم أي المعلومات التي يقدمها القاموس أو المعجم.
ويشغل المعجم كذلك القواعد الحشوية ومهمتها هو الاستغناء عن كل سمة حشوية حيث يتم الاستغناء عن السمات (+ متحرك ـ مجرد) عندما يتعلق الأمر بالعنصر المعجمي (ولد).

5 ـ البناء لغير الفاعل وخصائصه المعجمية:
جاء في كتاب جامع الدروس العربية للشيخ مصطفى الغلاييني في حديثه عن المعلوم والمجهول ما يلي: "الفعل المعلوم هو ما ذكر فاعله في الكلام" والفعل المجهول ما لم يذكر فاعله في الكلام بل كان محذوفا لغرض من الأغراض إما للإيجاز، اعتمادا على ذكاء السامع، وإما للعلم به وإما للجهل به وما للخوف عليه وإما للخوف  منه. وإما لتحقيره؛ فتكرم لسانك عنه، وإما لتعظيمه تشريفا له فتكرمه أن يذكر إن فعل ما لا ينبغي لمثله أن يفعله وإما لإبهامه على السامع، وسبق لنا  في التقديم القول أن القدماء أنفسهم لم يتفقوا على وضع تسمية موحدة إلا أنهم اتفقوا على ثلاثة أشياء وهي "حذف الفاعل وإقامة المفعول مقامه وتغيير الفعل إلى صيغة فعل"([7]).
وقد تطرق الفاسي الفهري في كتابه المعجم العربي لعبارة المبني للمجهول واعتبرها تسمية غير صحيحة لأن المبني للمجهول في الأصل هو الفاعل وليس الفعل الذي يصير مجهولا وإنما الفعل مبني لمفعول معلوم وهو بذلك يظهر التناقض الواضح في كلام النحاة القدامى، "فقالوا عن المفعول  إنه المفعول الذي يتعد إليه فعل فاعل" أو "مفعول ما لم يسم فاعله" أو المفعول الذي لم يسم من فعل به وقالوا عن الفعل أنه "الفعل المبني للمفعول و"فعل ما لم يسم فاعله "والفعل الذي لا يذكر فاعله أو قالوا عن الفاعل إنه يزول أو يستغنى عن ذكره"([8]).
فكل هذه التسميات ما هي في حقيقة الأمر إلا عبارات اصطلاحية لذلك فالفاسي الفهري يعتبر المبني لغير الفاعل هي التسمية  الموفقة لهذا البناء سواء أكان فعلا أو مصدرا أو اسم فاعل أو اسم مفعول.www.facebook.com/thitah.tarik

([1] )  المعجم العربي، حسين نصار، 1956، ص. 51.
([2] )  المرجع السابق.
([3] المعجم العربي، الفاسي الفهري، ص. 14.
([4] )  نسون فراسس، بنية الإنجليزية الأمريكية.
([5] )  علي القاسمي، كتاب علم اللغة وصناعة المعجم، ص. 50-51.
([6] )  سلسلة ندوات رقم 10 سنة 1997، كلية الآداب مكناس، اسم الكتاب سلسلة الأنحاء التقليدية في اللسانيات الحديثة.
([7] )  انظر ابن يعيش، شرح المفصل، ج7، ص. 69.
([8] )  المعجم العربي، الفاسي الفهري، ص. 62.

هناك تعليقان (2):

نظرية زوبعة الفراشه

  نظرية زوبعة الفراشة ، المعروفة أيضًا باسم تأثير الفراشة (Butterfly Effect) ، هي مفهوم في نظرية الفوضى (Chaos Theory) يشير إلى أن تغيرًا ص...