ـ
قراءة في صيغـة فُـعِـل:
لقد تبنى جل النحاة عند دراستهم للبناء لغير الفاعل ما
يلي: "حذف الفاعل وإقامة المفعول مقامه وتغيير الفعل إلى صيغة فُعِل".
وقد حاول النحاة القدامى أن يجعلوا صيغة فعل مميزة للبناء لغير الفاعل وجعلوها من مميزاته واقترنت
هذه الصيغة بالفعل وحده فقط كما نص على
ذلك سيبويه بقوله "ليس في الأسماء ولا الصفات فٌـعل ولا تكون هذه البنية إلا
للفعل"([1]).
فهم النحاة انصب على البنية وحدها حتى لا يشترك هذا
البناء مع غيره من الأبنية الأخرى لذلك ضموا الأول للدلالة على المحذوف الذي هو
فاعل وكسروا الثاني حتى لا يكون هناك وزن مشابه له ك: طُنب وجُمل ولو فتحوه لكان
على وزن فُعَل وصرَد ولو أسكنوه لكان على وزن قلْب وقفل.
وأما في الفعل المعتل نحو قيل وبيع وأصلها [قال ـ باع]
لم يضموه لأن القياس يقتضي أن يجري المعتل مجرى الصحيح في ضم أوله وكسر ثانيه إلا
أنهم استقلوا الكسرة على حرف العلة فنقلوها إلى القاف فانقلب الألف ياء في قال
وكذلك في باع لسكونها وانكسار ما قبلها كما قلبوها في ميعاد وميقات وميزان وأصلها
موعاد وموقات وموزان.
لكن هناك الكثير من النحاة واللغويين من أنكروا أن صيغة
فعل ليست خاصية للمبني لغير الفاعل وأن هناك الكثير من الأفعال تحمل نفس الصيغة
ولكنها تبقى أصلية فقد فطن الشيخ محمد علي بن علان الصديقي الشافعي لهذا الأمر
ودون كتابا أطلق عليه معجم الأفعال المبنية للمجهول والمعروف بإتحاف الفاضل بالفعل
المبني لغير الفاعل وهذا نص مقتبس من هذا الكتاب "الصحيح أن صيغة المبني
للمفعول مغيرة عن صيغة المبني للفاعل، فهذه أصل لتلك خلافا لظاهر الألفية تبعا
للكوفيين والمبرد وابن الطراوة ونسبة لسيبويه، زعموا أن كلا منهما أصل برأسه
قالوا، لأنه جاءت أفعال ملازمة للبناء للمفعول كزهى وزكم وحم وجن فلو كان فرعا عن
المبني للفاعل للزم أن لا يوجد إلا حيث يوجد الأصل وأجيب بأن العرب قد تستغني
بالفرع لا بالأصل ألا ترى أنه قد جاءت مصغرات لم ينطق بمكبر لها أصلا كرويد وكميت
وجموعات لم ينطق لها بمفردات كملامح ومحاسن ومشابه ومذاكر ومطايب..."([2]).
ويقدم صاحب الكتاب أمثلة كثيرة لتراكيب على صيغة فُعِل
في اللفظ لكنها تختلف في المعنى وهذه بعضها:
طُعِـن: ليس المقصود هنا الطعن بالسيف أو الرمح أو ما
شابه وإنما الإصابة بالطاعون أي أصابه الطاعون.
طشـت الأرض أصابها الطشاس وهو المطر الضعيف.
شرق: من الشروق وعني به أصابهم الشروق.
وقد لاحظ الفيروزأبادي أن هناك أفعالا تأتي منها فعل
وفعل بنفس المعنى ك:أطِمَ وأطِمَ وجدر وجدر أي أصابه الجذري وحرب وحرب وخضت وخضب
وعسر وعسر...
وهذا الرأي يؤيده الفاسي الفهري في كتابه المعجم العربي
عندما أنكر أن فعل خاصة للمبني لغير الفاعل "ليس للعربية صيغة خاصة بالفعل
المبني لغير الفاعل فصيغة فعل تستعمل في تراكيب غير التراكيب المبنية لغير الفاعل
كالتراكيب المبنية للمبهم (impersonal) والتراكيب الوسيطة بين البناء
للمجهول والبناء للمعلوم (middles) وتراكيب أخرى تأتي منها فعل دون
أن تأتي "فعل" فمن الأفعال التي تؤخذ من الأسماء بهذه الصيغة الدلالية
على الأمراض "كبـد" أي أصيب في كبد و"رئس" أصيب في رأسه
و"قلب" أصيب في قلبه و"جنب" أصيب في الجنب و"صدر"
أصيب الصدر و"زكم".... إلخ.
ونظير هذا إلا أنه ليس للأمراض "شمل" هبت عليه
ريح الشمال وجنب هبت عليه رياح الجنوب و"ربع" تلقى مطر الربيع وخرف تلقى
مطر الخريف... إلخ.
ومن الأمثلة الأخرى أيضا أغشي عليه وأغمي عليه.
فهذه الأفعال وغيرها اشتهرت عند بعض اللغويين بأنها
ملازمة لصيغة البناء للمجهول فاعتبروها مبنية للمجهول في الصورة اللفظية لا في
المعنى ولذلك أعربوا المرفوع فاعلا لا نائب فاعل"([3]).
وقد خصص ابن سيده في المخصص بابا سماه "ما جاء من
الأفعال على صيغة ما لم يسم فاعله".
وسجل ابن درستويه ما يلي "عامة أهل اللغة يزعمون أن
هذا الباب لا يكون إلا مضموم الأول ولم يقولوا إذا سمي فاعله جاز بغير ضم. وهذا غلط
منهم لأن هذه الأفعال كلها مفتوحة الأوائل في الماضي فإذا لم يسم فاعلها فهي كلها
مضمومة الأوائل ولم نخص بذلك بعضها دون بعض وقد بينا ذلك بعلته وقياسه فيجـوز عنيت
بأمرك وعناني أمرك ـ وشغلت بأمرك وشغلني أمرك ـ وشدهت بأمرك وشدهني أمرك...".
و"الذي نخلـص إليه من كل هذا أن صيغة "فعـل"
ليست خاصة بالبناء لغير الفاعل كما هو سائد عند أهل اللغة والتحويل إنها تكـون
لمعان مختلفـة وعليه يحسن أن نبحـث في معايير أخرى لتمييز معنـى البناء لغير
الفاعل عن غيره من المعاني"([4]).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق